سورة الإسراء - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


قوله تعالى: {ولا تقربوا الزنا} وقرأ أبو رزين، وأبو الجوزاء، والحسن: بالمد. قال أبو عبيدة: وقد يمد {الزنا} في كلام أهل نجد، قال الفرزدق:
أبا حَاضِرٍ مَنْ يَزْنِ يُعْرَفْ زِناؤه *** ومَنْ يَشْرَبِ الخُرْطُوْمَ يُصْبِحْ مُسَكَّرا
وقال أيضاً:
أخضبتَ فِعْلَك للزِّنَاءِ ولم تَكُنْ *** يَوْمَ اللِّقَاءِ لتَخْضِبَ الأبْطَالا
وقال آخر:
كانت فريضةُ ما تقول كَمَا *** كَانَ الزِّنَاءُ فَرِيْضَةَ الرَّجْمِ
قوله تعالى: {ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله} قد ذكرناه في [الأنعام: 151].
قوله تعالى: {فقد جعلنا} قال الزجاج: الأجود إِدغام الدال مع الجيم، والإِظهار جيد بالغ، إِلاَّ أنَّ الجيم من وسط اللسان، والدال من طرف اللسان، والإِدغام جائز، لأن حروف وسط اللسان تقرب من حروف طرف اللسان. ووليُّه: الذي بينه وبينه قرابة توجب المطالبة بدمه، فإن لم يكن له وليٌّ، فالسُّلطان وليُّه.
وللمفسرين في السُّلطان قولان:
أحدهما: أنه الحُجَّة، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه الوالي، والمعنى: {فقد جعلنا لوليه سلطاناً} ينصره ويُنْصِفه في حَقِّه، قاله ابن زيد.
قوله تعالى: {فلا يُسرف في القتل} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم: {فلا يسرف} بالياء. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي: بالتاء.
وفي المشار إِليه في الآية قولان:
أحدهما: أنه وليُّ المقتول. وفي المراد بإسرافه خمسة أقوال. أحدها: أن يَقتُل غير القاتل، قاله ابن عباس، والحسن.
والثاني: أن يقتُل اثنين بواحد، قاله سعيد بن جبير.
والثالث: أن يقتُل أشرف مِن الذي قُتل، قاله ابن زيد.
والرابع: أن يمثِّل، قاله قتادة.
والخامس: أن يتولى هو قتل القاتل دون السلطان، ذكره الزجّاج.
والثاني: أن الإِشارة إِلى القاتل الأول، والمعنى: فلا يسرف القاتل بالقتل تعدّياً وظلماً، قاله مجاهد.
قوله تعالى: {إِنه كان منصوراً} أي: مُعاناً عليه.
وفي هاء الكناية أربعة أقوال.
أحدها: أنها ترجع إِلى الولي، فالمعنى: إِنه كان منصوراً بتمكينه من القَوَد، قاله قتادة، والجمهور.
والثاني: أنها ترجع إِلى المقتول، فالمعنى: إِنه كان منصوراً بقتل قاتله، قاله مجاهد.
والثالث: أنها ترجع إِلى الدم، فالمعنى: إِن دم المقتول كان منصوراً، أي: مطلوباً به.
والرابع: أنها ترجع إِلى القتل، ذكر القولين الفراء.


قوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم} قد شرحناه في [الأنعام: 152].
قوله تعالى: {وأوفوا بالعهد} وهو عامّ فيما بين العبد وبين ربه، وفيما بينه وبين الناس. قال الزجاج: كلُّ ما أمر الله به ونهى عنه فهو من العهد.
قوله تعالى: {كان مسؤولاً} قال ابن قتيبة: أي: مسؤولاً عنه.
قوله تعالى: {وأوفوا الكيل إِذا كِلْتُم} أي: أَتِمُّوه ولا تَبْخَسوا منه.
قوله تعالى: {وَزِنوا بالقسطاس} فيه خمس لغات. أحدها: {قُسطاس}، بضم القاف وسينين، وهذه قراءة ابن كثير، ونافع، وأبي عمرو، وابن عامر، وأبي بكر عن عاصم هاهنا وفي [الشعراء: 182]. والثانية: كذلك، إِلاَّ أن القاف مكسورة، وهذه قراءة حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم. قال الفراء: هما لغتان. والثالثة: {قصطاص}، بصادين. والرابعة: {قصطاس}، بصاد قبل الطاء وسين بعدها، وهاتان مرويتان عن حمزة. والخامسة: {قِسطان}، بالنون. قرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي عن ابن دريد قال: القسطاس: الميزان، روميٌّ معرَّب، ويقال: قُسطاس وقِسطاس.
قوله تعالى: {ذلك خير} أي: ذلك الوفاء خير عند الله وأقرب إِليه، {وأحسن تأويلاً} أي: عاقبة في الجزاء.
قوله تعالى: {ولا تَقْفُ ما ليس لك به علم} قال الفراء: أصل {تَقْفُ} من القيافة، وهي: تتَبُّع الأثر، وفيه لغتان: قَفَا يقْفُو، وقاف يقوف، وأكثر القراء يجعلونها مِنْ قفوتُ، فيحرك الفاء إِلى الواو ويجزم القاف كما تقول: لا تَدْعُ. وقرأ معاذ القارئ: {لا تقُفْ}، مثل: تَقُل؛ والعرب تقول: قُفْتُ أَثَره، وقَفَوت، ومثله: عاث وعثا، وقاعَ الجملُ الناقة، وقعاها: إذا ركبها. قال الزجاج: من قرأ باسكان الفاء وضم القاف مِنْ: قاف يقوف، فكأنه مقلوب مِنْ قفا يقفو، والمعنى واحد، تقول: قفوتُ الشيءَ أقفُوه قفواً: إذا تبعت أثره. وقال ابن قتيبة: {لا تقف}، أي: لا تُتْبِعه الظنُّون والحَدْسَ، وهو من القفاء مأخوذ، كأنك تقفوا الأمور، أي: تكون في أقفائها وأواخرها تتعقَّبها، والقائف: الذي يعرف الآثار ويتبعها، فكأنه مقلوب عن القافي.
وللمفسرين في المراد به أربعة أقوال.
أحدها: لا ترمِ أحداً بما ليس لك به علم، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثاني: لا تقل: رأيتُ، ولم تَرَ، ولا سمعتُ، ولم تَسمع، رواه عثمان بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس، وبه قال قتادة.
والثالث: لا تُشرك بالله شيئاً، رواه عطاء أيضاً عن ابن عباس.
والرابع: لا تشهد بالزور، قاله محمد بن الحنفية.
قوله تعالى: {إِن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك} قال الزجاج: إِنما قال: {كل}، ثم قال: {كان}، لأن كلاًّ في لفظ الواحد، وإِنما قال: {أولئك} لغير الناس، لأن كلَّ جمع أشرتَ إِليه من الناس وغيرهم من الموات، تشير إِليه بلفظ {أولئك}، قال جرير:
ذُمَّ المَنَازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللِّوَى *** والعَيْشَ بَعْدَ أُولَئِكَ الأيَّامِ
قال المفسرون: الإِشارة إِلى الجوارح المذكورة، يُسأل العبد يوم القيامة فيما إِذا استعملها، وفي هذا زجر عن النظر إِلى ما لا يَحِلُّ، والاستماع إِلى ما يحرم، والعزم على مالا يجوز.


قوله تعالى: {ولا تمش في الأرض مرَحاً} وقرأ الضحاك، وابن يعمر: {مَرِحاً} بكسر الراء، قال الأخفش: والكسر أجود، لأن {مَرِحاً} اسم الفاعل؛ قال الزجاج: وكلاهما في الجودة سواء، غير أن المصدر أوكد في الاستعمال، تقول: جاء زيد رَكْضاً، وجاء زيد راكِضاً، ف {ركضاً} أوكد في الاستعمال، لأنه يدل على توكيد الفعل، وتأويل الآية: لا تمش في الأرض مختالاً فخوراً، والمرح: الأشر والبطر. وقال ابن فارس: المرح: شدة الفرح.
قوله تعالى: {إِنَّك لن تَخْرِقَ الأرض} فيه قولان:
أحدهما: لن تقطعها إِلى آخرها. والثاني: لن تنفذها وتنقُبها. قال ابن عباس: لن تَخرق الأرضَ بِكِبْرِك، ولن تبلغ الجبال طولاً بعظَمتك. قال ابن قتيبة: والمعنى: لا ينبغي للعاجز أن يَبْذَخَ ويستكبر.
قوله تعالى: {كل ذلك كان سَيِّئه} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: {سَيِّئَةً} منوناً غير مضاف، على معنى: كان خطيئةً، فعلى هذا يكون قوله: {كلُّ ذلك} إِشارة إِلى المنهيّ عنه من المذكور فقط. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {سَيِّئُهُ} مضافاً مذكَّراً، فتكون لفظة {كلّ} يُشار بها إِلى سائر ما تقدم ذِكْره. وكان أبو عمرو لا يرى هذه القراءة. قال الزجاج: وهذا غلط من أبي عمرو، لأن في هذه الأقاصيص سَيِّئاً وحَسَناً، وذلك أن فيها الأمر بِبِرِّ الوالدين، وإِيتاء ذي القربى، والوفاء بالعهد، ونحو ذلك، فهذه القراءة أحسن من قراءة مَنْ نصب السَّيِئة، وكذلك قال أبو عبيدة: تدبرت الآيات من قوله تعالى: {وقضى ربك...} فوجدت فيها أموراً حسنة. وقال أبو علي: من قرأ {سَيِّئَةً} رأى أن الكلام انقطع عند قوله: {وأحسن تأويلاً}، وأن قوله: {ولا تقف} لا حُسْنَ فيه.
قوله تعالى: {ذلك مما أوحى إِليك ربك} يشير إلى ما تقدم من الفرائض والسنن، {من الحكمة}، أي: من الأمور المُحْكَمة والأدب الجامع لِكُل خير. وقد سبق معنى المدحور [الأعراف: 18].

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9